الأكراد في إسطنبول- لمن ستكون أصواتهم الحاسمة في انتخابات البلدية؟

المؤلف: صالحة علام11.21.2025
الأكراد في إسطنبول- لمن ستكون أصواتهم الحاسمة في انتخابات البلدية؟

في خضمّ الاستعدادات الحثيثة للانتخابات البلدية المرتقبة في إسطنبول، ومع إعلان الأحزاب التركية المتنافسة عن مرشحيها لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، والكشف عن خططها الطموحة لجذب الناخبين، يتبلور سؤال محوري: إلى من ستؤول أصوات الأكراد القاطنين في هذه المدينة العريقة؟ بعد أن بدأت هذه الأحزاب بعرض برامجها الانتخابية، وتنظيم جولات مكثفة في أنحاء إسطنبول لشرح رؤاها حول معضلات المدينة واقتراح حلول مبتكرة لها.

عصا سحرية

لطالما شكلت الأصوات الكردية قوة دافعة مؤثرة في مسار الانتخابات التركية، أشبه بعصا سحرية قادرة على تغيير موازين القوى، وحسم النتائج لصالح المرشح الذي يحظى بدعمها وتأييدها. إنها الورقة الرابحة التي تضمن للفائز التفوق على خصومه، بغض النظر عن ثقلهم السياسي أو الخلفيات الحزبية التي يمثلونها.

وهذه حقيقة دامغة لا يمكن إنكارها أو التقليل من أهميتها، وتشهد على ذلك نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في عام 2019، حيث اختار الأكراد الوقوف صفًا واحدًا خلف أكرم إمام أوغلو، مرشح "تحالف الأمة" الذي ضم قوى المعارضة البارزة في مواجهة بن علي يلدريم، مرشح "تحالف الشعب". وقد مكن هذا الدعم إمام أوغلو من تحقيق الفوز بنسبة 54.2% من أصوات الناخبين، متفوقًا على منافسه الذي حصل على 45%.

إن هذه النسبة الملحوظة لم تكن لتتحقق لولا الدعم القوي من الناخبين الأكراد، الذين سعوا إلى معاقبة حزب "العدالة والتنمية" على تراجعه عن خططه السابقة لإنهاء القضية الكردية بالطرق السياسية، وعودته إلى التعامل معها من منظور أمني.

إعادة الحسابات

لم يغب هذا الدرس عن حزب "العدالة والتنمية"، الذي سارع إلى مراجعة حساباته، وإطلاق قنوات اتصال جديدة مع شخصيات كردية فاعلة ومؤثرة على الصعيدين السياسي والثقافي. تميزت هذه الشخصيات بالاعتدال في توجهاتها ورؤاها لحل القضية الكردية، بما يتماشى مع توجهات الدولة التركية.

ويسعى الحزب إلى منح الأكراد فسحة أوسع لممارسة عاداتهم وتقاليدهم والحفاظ على تراثهم الثقافي، وضمان اندماجهم الفعال في المجتمع، مع الحفاظ على الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الدولة التركية، وصون وحدتها الوطنية، ومنع أي محاولات لتقسيم أراضيها.

وفي هذا السياق، تجسد تحالف الحزب في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة مع حزب "الهدى بار"، الذي يمثل الأكراد المحافظين، في شراكة مثمرة لكلا الطرفين. فقد تمكن "الهدى بار" من الفوز بمقعدين كانا حكرًا على حزب "الشعوب الديمقراطي"، ودخل البرلمان لأول مرة في تاريخه، بينما حصد "تحالف الشعب" أصوات الأكراد الإسلاميين والمحافظين في المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية، مما أسهم في حفاظه على الأغلبية في البرلمان.

وهذا التحالف لا يزال قائمًا ومستمرًا في معركة الانتخابات المحلية، ومن المتوقع أن يكون له تأثير كبير على النتائج، خاصة في ظل الخلافات المستمرة بين الأحزاب الكردية اليسارية، مثل حزب "الديمقراطية والمساواة"، والأحزاب العلمانية والقومية، مثل حزبي "الشعب الجمهوري" و"الجيد"، حول رؤية كل منها لحزب "العمال الكردستاني"، الذي تصنفه الدولة كمنظمة إرهابية، وعجز هذه الأحزاب عن إيجاد آلية واضحة للتعامل معه.

اللعب على كل الحبال

يواجه حزب "الشعب الجمهوري" تحديات جمة في علاقته مع الأكراد، خاصة بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها رئيسه أوزغور أوزيل لحزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان، على الرغم من تعاطفه الظاهر مع الأكراد، وتأكيده المستمر على استعداده لحل مشاكلهم في حال وصول حزبه إلى السلطة، ومطالبته بالإفراج عن السياسيين المعتقلين، وعلى رأسهم صلاح الدين دميرتاش، الرئيس السابق لحزب "الشعوب الديمقراطي"، المتهم بدعم حزب "العمال الكردستاني" والتواصل مع عناصره.

إلا أن محاولات الحزب للموازنة بين إرضاء القوميين الأتراك لضمان أصواتهم في الانتخابات، والانفتاح على الأكراد، قد أثارت ردود فعل غاضبة من القيادات الكردية، التي أعربت عن استيائها ورفضها لاستغلال قضيتهم لتحقيق مكاسب حزبية وانتخابية على حساب رموزهم السياسية. وهذا قد يدفعهم إلى سحب دعمهم لمرشح "الشعب الجمهوري"، كرد فعل على محاولات استغلالهم والتلاعب بمشاعرهم.

وتنذر هذه التطورات باحتمال خسارة "الشعب الجمهوري" لشريحة لا يستهان بها من الأصوات الكردية، حتى وإن قرر حزب "الديمقراطية والمساواة" تجاوز هذه الخلافات والاستمرار في التحالف الانتخابي القائم بينهما منذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وهذا سينعكس سلبًا على فرص أكرم إمام أوغلو، وسيصب في مصلحة مرشح "تحالف الشعب" مراد كوروم.

خصومة مع الأكراد

من جهة أخرى، تمكن حزب "الجيد" من الحفاظ على قاعدته الجماهيرية، التي يمثل القوميون غالبيتها، بفضل موقفه الرافض للتحالف مع أي حزب يمثل الأكراد، ودعمه المطلق لتوجهات الحكومة في التعامل مع هذا الملف، الذي يرى فيه تهديدًا للأمن القومي التركي، وينذر بعواقب وخيمة على الوحدة الترابية للدولة.

وقد أدى هذا الموقف إلى تفاقم العداء بين القوميين الأكراد، الذين يمثلهم حزب "الديمقراطية والمساواة"، والقوميين الأتراك، الداعمين لحزب "الجيد"، مما أغلق الباب أمام أي سيناريوهات انتخابية يمكن أن تجمع الطرفين في قائمة واحدة، وحرم الأخير من أصوات الأكراد بشكل عام.

لكن في المقابل، ساهم هذا الموقف في تعزيز مكانة حزب "العدالة والتنمية" و"تحالف الشعب" لدى شريحة من القوميين واليساريين الأتراك، بالإضافة إلى المحافظين الأكراد، خاصة وأن حزب "الحركة القومية"، على الرغم من تعصبه للقومية التركية، لم يعارض انضمام حزب "الهدى بار" الكردي إلى "تحالف الشعب".

تجاهل مصالح الأكراد

إن مواقف أحزاب المعارضة التركية المعلنة من الأكراد، وسعيها للاستفادة منهم لتحقيق مكاسب حزبية وانتخابية، غالبًا ما تصب في مصلحتها أكثر مما تفيد الأكراد أنفسهم. كما أن رؤيتها لآليات حل القضية الكردية، بغض النظر عما إذا كانت هذه الآليات تتوافق أو تتعارض مع رؤية الأكراد، وتجاهل وجودهم كأحد أهم المكونات العرقية للمجتمع التركي، قد أحدث شرخًا عميقًا في العلاقات بين الأحزاب الكردية ونظيرتها التركية، وخاصة القومية واليسارية منها.

ويشير ذلك إلى أننا أمام مشهد سياسي مغاير تمامًا لما شهدناه في انتخابات عام 2019، أو ما كان متوقعًا للمرحلة المقبلة، سواء من قبل المراكز البحثية المتخصصة أو من خلال استطلاعات الرأي العام التي تجريها العديد من الشركات العاملة في هذا المجال. إن أصوات الأكراد ستبقى الفيصل في تحديد مستقبل إسطنبول السياسي.

 

 

 

 

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة